فصل: سئل:عن أقوال العلماء في المسح على الخفين؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


/ وَسُئِلَ‏:‏ عمن يغسل أطرافه فوق الخمس مرات، وإذا أتي المسجد يبسط سجادته تحت قدميه، إلى آخر السؤال‏.‏

فأجاب‏:‏

ما ذكره من الوسوسة في الطهارة مثل غسل العضو أكثر من ثلاث مرات، والامتناع من الصلاة على حصر المسجد، ونحو ذلك، هو أيضاً بدعة وضلالة باتفاق المسلمين، ليس ذلك مستحباً ولا طاعة ولا قربة‏.‏

ومن فعل ذلك على أنه عبادة وطاعة، فإنه ينهي عن ذلك، فإن امتنع عزر على ذلك، فقد كان عمر ـ رضي اللّه عنه ـ يعزر الناس على الصلاة بعد العصر، مع أن جماعة فعلوه لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وداوم عليه، لكن لما كان ذلك من خصائصهصلى الله عليه وسلم، عليه وسلم قد نهي عن الصلاة بعد العصر حتي تغرب الشمس، وبعد الفجر حتي تطلع الشمس، كان عمر يضرب من فعل هذه الصلاة، فَضَرْب هؤلاء المبتدعين في الطهارة والصلاة لكونها بدعة مذمومة باتفاق المسلمين، أولى وأحرى‏.‏ والله أعلم‏.‏

/ وَسُئِلَ‏:‏ أيما أفضل‏:‏ المداومة على الوضوء أم ترك المداومة‏؟‏

فأجاب‏:‏

أما الوضوء عند كل حدث ففيه حديث بلال المعروف عن بُرَيْدَة بن حُصَيْب قال‏:‏ أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال‏:‏ ‏(‏يا بلال، بم سبقتني إلى الجنة‏؟‏ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي‏!‏ دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي، فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب فقلت‏:‏ لمن هذا القصر‏؟‏ فقالوا‏:‏ لرجل عربي‏.‏ فقلت‏:‏ أنا عربي‏!‏ لمن هذا القصر‏؟‏ فقالوا‏:‏ لرجل من قريش‏.‏ قلت‏:‏ أنا رجل من قريش‏!‏ لمن هذا القصر‏؟‏ فقالوا‏:‏ لعمر بن الخطاب‏)‏، فقال بلال‏:‏ يا رسول اللّه ما أذَّنتُ قط إلا صليت ركعتين، وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها فرأيت أن للّه على ركعتين، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏بهما‏)‏، قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن صحيح‏.‏

وهذا يقتضي استحباب الوضوء عند كل حدث، ولا يعارض ذلك الحديث الذي في الصحيـح عن ابن عباس قال‏:‏ كنا عند النبي/ صلى الله عليه وسلم فجاء من الغائط، فأتي بطعام فقيل له‏:‏ ألا تـتوضأ‏؟‏ قال‏:‏‏(‏ لم أصـل فأتوضأ‏)‏، فإن هذا ينفي وجـوب الوضوء، وينفي أن يكون مأمورًا بالوضوء لأجل مجرد الأكل، ولم نعلم أحداً استحب الوضوء للأكل‏.‏ وهل يكره أو يستحب‏؟‏ على قولين هما روايتان عن أحمد‏.‏ فمن استحب ذلك احتج بحديث سلمان أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ قرأت في التوراة‏:‏ إن من بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده‏.‏ ومن كرهه قال‏:‏ لأن هذا خلاف سنة المسلمين، فإنهم لم يكونوا يتوضؤون قبل الأكل، وإنما كان هذا من فعل اليهود فيكره التشبه بهم‏.‏ وأما حديث سلمان فقد ضعفه بعضهم‏.‏

وقد يقال‏:‏ كان هذا في أول الإسلام لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ولهذا كان يسدل شعره موافقة لهم، ثم فرق بعد ذلك، ولهذا صام عاشوراء لما قدم المدينة، ثم إنه قال قبل موته‏:‏ ‏(‏لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع‏)‏ يعني‏:‏ مع العاشر، لأجل مخالفة اليهود‏.‏

/ وَسُئِلَ ـ رحمه الله تعالى ـ عن قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنكم تأتون يوم القيامة غُراً محجلين من آثار الوضوء‏)‏، وهذه صفة المصلين فبم يعرف غيرهم من المكلفين التاركين والصبيان‏؟‏

فأجاب‏:‏

الحمد للَّه رب العالمين، هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغر محجلاً، وهم الذين يتوضؤون للصلاة‏.‏ وأما الأطفال فهم تبع للرجال‏.‏ وأما من لم يتوضأ قط ولم يصل، فإنه دليل على أنه لا يُعْرَف يوم القيامة‏.‏

/ باب المسح على الخفين

 

سُئِلَ ـ رَحمه الله ـ عن أقوال العلماء في المسح على الخفين‏:‏ هل من شرطه أن يكون الخف غير مخرق حتي لا يظهر شيء من القدم‏؟‏ وهل للتخريق حد‏؟‏ وما القول الراجح بالدليل كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏]‏، فإن الناس يحتاجون إلى ذلك‏؟‏

فأجاب‏:‏

هذه المسألة فيها قولان مشهوران للعلماء، فمذهب مالك وأبي حنيفة وابن المبارك وغيرهم‏:‏ إنه يجوز المسح على ما فيه خرق يسير مع اختلافهم في حد ذلك، واختار هذا بعض أصحاب أحمد‏.‏

ومذهب الشافعي وأحمد وغيرهما‏:‏ أنه لا يجوز المسح إلا على ما يستر جميع محل الغسل‏.‏ قالوا‏:‏ لأنه إذا ظهر بعض القدم كان فرض ما ظهر الغسل، وفرض ما بطن المسح، فيلزم أن يجمع بين الغسل/والمسح، أي‏:‏ بين الأصل والبدل، وهذا لا يجوز؛ لأنه إما أن يغسل القدمين، وإما أن يمسح على الخفين‏.‏

والقـول الأول أصـح، وهو قياس أصول أحمد ونصوصه في العفو عن يسير العورة وعن يسـير النجاسة ونحو ذلك، فإن السنة وردت بالمسح على الخفين مطلقا، قولا من النبي صلى الله عليه وسلم وفعلا، كقول صَفْوَان بن عَسَّال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان سفراً ـ أو مسافرين ـ ألا ننزع أخفافنا ثلاثـة أيـام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن لا ننزع من غائط وبول ونـوم‏)‏‏.‏ رواه أهـل السنن وصححـه الترمـذي ؛ فقد بين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أمته ألا ينزعوا أخفافهم في السفر ثلاثة أيام من الغائط والبول والنوم، ولكن ينزعوها من الجنابة‏.‏

وكذلك أمره لأصحابه أن يمسحوا على التساخين والعصائب‏.‏والتساخين هي الخفان فإنها تسخن الرجل، وقد استفاض عنه في الصحيح أنه مسـح على الخفـين،وتلقي أصحابه عنـه ذلك فأطلقوا القـول بجـواز المسـح على الخفـين، ونقلوا ـ أيضاً ـ أمره مطلقا، كما في صحيح مسلم عن شـريح بن هانئ قال‏:‏ أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت‏:‏ عليـك بابن أبي طالب فاسأله فـإنه كـان يسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسألناه فقـال‏:‏ ‏(‏جعـل النبي صلى الله عليه وسلم ثـلاثـة أيام/للمسافـر ويومـًا وليلــة للمقـيم‏)‏‏.‏ أي‏:‏جعل له المسح على الخفين، فأطلـق‏.‏ ومعلـوم أن الخفاف في العـادة لا يخلـو كثير منها عن فتق أو خرق لاسيما مع تقادم عهـدها‏.‏ وكـان كثـير مـن الصحابـة فقـراء لم يكن يمكنهم تجديد ذلك‏.‏ ولما سـئل النبي صلى الله عليه وسلم عـن الصـلاة في الـثوب الواحد فقال‏:‏ ‏(‏أو لكلكم ثوبان‏؟‏‏!‏‏)‏ وهـذا كما أن ثيابهم كان يكثر فيها الفتق والخرق حتي يحتاج لترقيع، فكذلك الخفاف‏.‏

والعادة في الفتق اليسير في الثوب والخف أنه لا يرقع، وإنما يرقع الكثير، وكان أحدهم يصلي في الثوب الضيق حتي أنهم كانوا إذا سجدوا تقلص الثوب فظهر بعض العورة، وكان النساء نهين عن أن يرفعن رؤوسهن حتي يرفع الرجال رؤوسهم، لئلا يرين عورات الرجال من ضيق الأزر، مع أن ستر العورة واجب في الصلاة وخارج الصلاة، بخلاف ستر الرجلين بالخف، فلما أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بالمسح على الخفاف مع علمه بما هي عليه في العادة، ولم يشترط أن تكون سليمة من العيوب؛ وجب حمل أمره على الإطلاق، ولم يجز أن يقيد كلامه إلا بدليل شرعي‏.‏

وكان مقتضي لفظـه‏:‏ أن كل خف يلبسـه الناس ويمشون فيـه، فلهم أن يمسحـوا عليه، وإن كـان مفتـوقا أو مخـروقـا مـن غـير تحـديـد لمقدار ذلك، فإن التحديد لابد له من دليل‏.‏ وأبو حنيفة يحده بالربع كما يحد/مثل ذلك في مواضع، قالوا‏:‏ لأنه يقال‏:‏ رأيت الإنسان إذا رأيت أحد جوانبه الأربع، فالربع يقوم مقام الجميع، وأكثر الفقهاء ينازعون في هذا ويقولون‏:‏ التحديد بالربع ليس له أصل من كتاب ولا سنة‏.‏

وأيضاً، فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بلغوا سنته وعملوا بها، لم ينقل عن أحد منهم تقييد الخف بشيء من القيود، بل أطلقوا المسح على الخفين مع علمهم بالخفاف وأحوالها، فعلم أنهم كانوا قد فهموا عن نبيهم جواز المسح على الخفين مطلقاًَ‏.‏

وأيضاً، فكثير من خفاف الناس لا يخلو من فتق أو خرق يظهر منه بعض القدم، فلو لم يجز المسح عليها بطل مقصود الرخصة، لاسيما والذين يحتاجون إلى لبس ذلك هم المحتاجون، وهم أحق بالرخصة من غير المحتاجين، فإن سبب الرخصة هو الحاجة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الواحد‏:‏ ‏(‏أو لكلكم ثوبان‏؟‏‏)‏ بين أن فيكم من لا يجد إلا ثوبا واحدا، فلو أوجب الثوبين لما أمكن هؤلاء أداء الواجب‏.‏

ثم إنه أطلق الرخصة، فكذلك هنا ليس كل إنسان يجد خفاً سليما، فلو لم يرخص إلا لهذا لزم المحاويج خلع خفافهم، وكان إلزام غيرهم بالخلع أولي‏.‏ ثم إذا كان إلى الحاجة فالرخصة عامة، وكل من/لبس خفاً وهو متطهر، فله المسح عليه، سواء كان غنيًا أو فقيرا، وسواء كان الخف سليمًا أو مقطوعا، فإنه اختار لنفسه ذلك، وليس هذا مما يجب فعله للّه ـ تعالى ـ كالصدقة والعتق ـ حتي تشترط فيه السلامة من العيوب‏.‏

وأما قول المنازع‏:‏ إن فرض ما ظهر الغسل وما بطن المسح، فهذا خطأ بالإجماع، فإنه ليس كل ما بطن من القدم يمسح على الظاهر الذي يلاقيه من الخف، بل إذا مسح ظهر القدم أجزأه‏.‏ وكثير من العلماء لا يستحب مسح أسفله، وهو إنما يمسح خططاً بالأصابع، فليس عليه أن يمسح جميع الخف كما عليه أن يمسح الجبيرة، فإن مسح الجبيرة يقوم مقام غسل نفس العضو، فإنها لما لم يمكن نزعها إلا بضرر، صارت بمنزلة الجلد وشعر الرأس وظفر اليد والرجل، بخلاف الخف، فإنه يمكنه نزعه وغسل القدم، ولهذا كان مسح الجبيرة واجباً ومسح الخفين جائزاً، إن شاء مسح، وإن شاء خلع‏.‏

ولهذا فارق مسح الجبيرة الخف من خمسة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ أن هذا واجب وذلك جائز‏.‏

الثاني‏:‏ أن هذا يجوز في الطهارتين‏:‏ الصغرى والكبرى، فإنه لا يمكنه إلا ذلك، ومسح الخفين لا يكون في الكبري بل عليه أن/يغسل القدمين كما عليه أن يوصل الماء إلى جلد الرأس والوجه، وفي الوضوء يجزئه المسح على ظاهر شعر الرأس وغسل ظاهر اللحية الكثيفة، فكذلك الخفاف يمسح عليها في الصغري، فإنه لما احتاج إلى لبسها صارت بمنزلة ما يستر البشرة من الشعر الذي يمكن إيصال الماء إلى باطنه، ولكن فيه مشقة، والغسل لا يتكرر‏.‏

الثالث‏:‏ أن الجبيرة يمسح عليها إلى أن يحلها، ليس فيها توقيت فإن مسحها للضرورة، بخلاف الخف، فإن مسحه موقت عند الجمهور، فإن فيه خمسة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ لكن لو كان في خلعه بعد مضي الوقت ضرر ـ مثل‏:‏ أن يكون هناك برد شديد متي خلع خفيه تضرر كما يوجد في أرض الثلوج وغيرها، أو كان في رفقة متي خلع وغسل لم ينتظروه فينقطع عنهم فلا يعرف الطريق، أو يخاف إذا فعل ذلك من عدو أو سبع، أو كان إذا فعل ذلك فاته واجب ونحو ذلك ـ فهنا قيل‏:‏ إنه يتيمم‏.‏ وقيل‏:‏ إنه يمسح عليهما للضرورة، وهذا أقوى لأن لبسهما هنا صار كلبس الجبيرة من بعض الوجوه، فأحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوماً وليلة وثلاثة أيام ولياليهن، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم، والمفهوم لا عموم له، فإذا كان يخلع بعد الوقت ـ عند إمكان ذلك ـ عمل بهذه الأحاديث‏.‏

/وعلى هذا،يحمل حديث عقبة بن عامر لما خرج من دمشق إلى المدينة يبشر الناس بفتح دمشق ومسح أسبوعاً بلا خلع، فقال له عمر‏:‏ أصبت السنة‏.‏ وهو حديث صحيح‏.‏ وليس الخف كالجبيرة مطلقاً، فإنه لا يستوعب بالمسح بحال؛ ويخلع في الطهارة الكبري، ولابد من لبسه على طهارة‏.‏ لكن المقصود أنه إذا تعذر خلعه فالمسح عليه أولي من التيمم، وإن قدر أنه لا يمكن خلعه في الطهارة الكبري فقد صار كالجبيرة، يمسح عليه كله كما لو كان على رجله جبيرة يستوعبها‏.‏

وأيضاً، فإن المسح على الخفين أولي من التيمم؛ لأنه طهارة بالماء فيما يغطي موضع الغسل، وذاك مسح بالتراب في عضوين آخرين‏.‏ فكان هذا البدل أقرب إلى الأصل من التيمم؛ ولهذا لو كان جريحاً وأمكنه مسح جراحه بالماء دون الغسل‏:‏ فهل يمسح بالماء أو يتيمم‏؟‏ فيه قولان، هما روايتان عن أحمد، ومسحهما بالماء أصح؛ لأنه إذا جاز مسح الجبيرة ومسح الخف وكان ذلك أولي من التيمم فلأن يكون مسح العضو بالماء أولي من التيمم بطريق الأولى‏.‏

الرابع‏:‏ أن الجبيرة يستوعبها بالمسح كما يستوعب الجلد؛ لأن مسحها كغسله، وهذا أقوي على قول من يوجب مسح جميع الرأس‏.‏

/الخامس‏:‏ أن الجبيرة يمسح عليها ـ وإن شدها على حدث ـ عند أكثر العلماء،وهو إحدي الروايتين عن أحمد، وهو الصواب‏.‏

ومن قال‏:‏ لا يمسح عليها إلا إذا لبسها على طهارة ليس معه إلا قياسها على الخفين، وهو قياس فاسد‏.‏ فإن الفرق بينهما ثابت من هذه الوجوه، ومسحها كمسح الجلدة ومسح الشعر، ليس كمسح الخفين وفي كلام الإمام أحمد ما يبين ذلك وأنها ملحقة عنده بجلدة الإنسان لا بالخفين، وفي ذلك نزاع؛ لأن من أصحابه من يجعلها كالخفين ويجعل البرء كانقضاء مدة المسح فيقول ببطلان طهارة المحل، كما قالوا في الخف، والأول أصح، وهو‏:‏ أنها إذا سقطت سقوط برء كان بمنزلة حلق شعر الرأس وتقليم الأظفار، وبمنزلة كشط الجلد لا يوجب إعادة غسل الجنابة عليها إذا كان قد مسح عليها من الجنابة، وكذلك في الوضوء لا يجب غسل المحل ولا إعادة الوضوء، كما قيل‏:‏ إنه يجب في خلع الخف، والطهارة وجبت في المسح على الخفين ليكون إذا أحدث يتعلق الحدث بالخفين، فيكون مسحهما كغسل الرجلين، بخلاف ما إذا تعلق الحدث بالقدم فإنه لابد من غسله‏.‏

ثم قيل‏:‏ إن المسح لا يرفع الحدث عن الرجل، فإذا خلعها كان كأنه لا يمسح عليها فيغسلها عنـد مـن لا يشترط الموالاة، ومـن يشترط الموالاة يعيـد الوضـوء‏.‏ وقيـل‏:‏ بل حدثـه ارتفـع رفعاً مؤقـتاً /إلى حـين انقضاء المدة وخلع الخف، لكن لما خلعه انقضت الطهارة فيـه، والطهارة الصغـري لا تتبعض لا في ثبـوتها ولا في زوالها، فإن حكمها يتعلق بغير محلها، فإنها غسل أعضاء أربعة والبدن كله يصير طاهراً، فإذا غسل عضو أو عضوان لم يرتفع الحدث حتي يغسل الأربعة، وإذا انتقض الوضوء في عضو، انتقض في الجميع‏.‏

ومـن قال هذا قال‏:‏ إنه يعيد الوضوء ومثل هذا منتف في الجبيرة، فإن الجبيرة يمسح عليها في الطهارة الكبرى ولا يجزئ فيها البدل، فعلم أن المسح عليها كالمسح على الجلد والشعر‏.‏

ومن قال من أصحابنا‏:‏ إنه إذا سقطت لبرء، بطلت الطهارة أو غسل محلها، وإذا سقطت لغير برء، فعلى وجهين‏.‏ فإنهم جعلوها مؤقتة بالبرء، وجعلوا سقوطها بالبرء كانقضاء مدة المسح‏.‏

وأما إذا سقطت قبل البرء فقيل‏:‏ هي كما لو خلع الخف قبل المدة‏.‏ وقيل‏:‏ لا تبطل الطهارة هنا؛ لأنه لا يمكن غسلها قبل البرء، بخلاف الرجل فإنه يمكن غسلها إذا خلع الخف، فلهذا فرقوا بينها وبين الخف في أحد الوجهين، فإنه إذا تعذر غسلها بقيت الطهارة بخلاف ما بعد البرء فإنه يمكن غسل محلها‏.‏

/والقول بأن البرء كالوقت في الخفين ضعيف؛ فإن طهارة الجبيرة لا توقيت فيها أصلاً حتي يقال‏:‏ إذا انقضي الوقت بطلت الطهارة، بخلاف المسح على الخفين فإنه موقت، ونزعها مشبه بخلع الخف، وهو ـ أيضًا ـ تشبيه فاسد، فإنه إن شبه بخلعه قبل انقضاء المدة ظهر الفرق، وإنما يشبه هذا نزعها قبل البرء وفيه الوجهان، وإن شبه بخلعه قبل انقضاء المدة فوجود الخلع كعدمه، فإنه لا يجوز له حينئذ أن يمسح على الخفين؛ لأن الشارع أمره بخلعها في هذه الحال، بخلاف الجبيرة فإن الشارع لم يجعل لها وقتًا، بل جعله بمنزلة ما يتصل بالبدن من جلد وشعر وظفر، وذاك إذا احتاج الرجل إلى إزالته أزاله ولم تبطل طهارته‏.‏

وقد ذهب بعض السلف إلى بطلانها وأنه يطهر موضعه، وهذا مشبه قول من قال‏:‏ مثل ذلك في الجبيرة‏.‏